رسالة من المؤسس ورئيس مجلس الإدارة

صاحبة السمو الأميرة عبير بنت سعود بن فرحان آل سعود

بعد التخرج من المرحلة الثانوية، ارتأيت أن أقضي سنة كاملة في البحث والاكتشاف ومتابعة شغفي؛ وبذلك ذهبت في رحلة إلى جنوب شرق آسيا لاكتشاف المزيد عن ذاتي. وبينما كنت أقطع نهر الميكونغ في إقليم دلتا وتحديداً في مدينة سايغون الفيتنامية متوجهة إلى جزيرة نائية تُعرف باسم فو كوك، استشعرت لأول مرة في حياتي المعنى الحقيقي للفقر، ولا سيما في القرى العائمة؛ ولكني مع ذلك شدَّني الكم الهائل من الفرص التي لم تُستغل حتى الآن؛ فالقرويون كانوا رواد أعمال بالفطرة؛ فقد كانوا ماهرين في تشكيل الحرف اليدوية. وفوق ذلك كله، كانت المنطقة بأكملها تفيض بالكثير من الموارد غير المستغلة والصناعات المعطلة. في تلك اللحظة، كنت أفكر لو تم تقديم التدريب المهني اللائق لهؤلاء القرويين، لأصبح هناك نظام متقن، ولتمكن القرويون من تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تصدير منتجاتهم وتقديم صورة جميلة للخدمات المحلية. وفهمت حينها بأن الفقر ليس هو التحدي الوحيد الذي يحول دون التقدم والتنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ بل هو قطرة من بحر من المشكلات الأخرى المترابطة. في الوقع، ما كان يمنع القرويين من التقدم ليس نقص المهارات أو ندرة الموارد بل قلة المعرفة الفنية والسوقية الأساسية وبرامج التدريب المهني.

وبعد زيارتي للفيتنام، تولد لديَّ حافز جديد بالتركيز على الأثر المستدام، وأصبحت مهتمة بإيجاد حلول مستدامة وملائمة من الناحية الثقافية لإحداث أثر اجتماعي إيجابي على المجتمعات. وكان يجب علي أولاً أن أجيب عن مجموعة من الأسئلة: كيف يمكن تحقيق نمو اجتماعي اقتصادي، وكيف تعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وكيف يؤثر التعاون متعدد الأطراف على البلدان النامية. لقد كانت تراودني الكثير من التساؤلات ولكن لم تكن تتوفر لدي إجابات شافية عن جميعها. فاستنتجت أن التطبيق هو أفضل طريقة للتعلم.

لقد تكونت لدي قناعة في السنوات الأخيرة بأن مسيرة التقدم في البلدان الأقل نمواً يعرقلها الفقر وانعدام الثقافة المالية، والافتقار إلى التوجيه الملائم. وبالمثل، فإن استدامة التقدم في الدول المتقدمة يعيقها النزعة الاستهلاكية التي لا تتناسب مع الإنتاج والتي تقترن بسلوكيات لا يمكن تبريرها. والجدير بالذكر أن إحراز تقدم اجتماعي اقتصادي مستدام في أي مكان هو أكثر تعقيداً من مجرد الاكتفاء بتطبيق مشاريع أو مبادرات بسيطة. إن السبيل إلى الاستفادة من جهودنا المشتركة بما يصب في مصلحة مجتمعاتنا، والمساهمة في التنمية يكمن في اعتماد نهج يركز على الأثر ويتمحور حول المسؤولية الأخلاقية التي أؤمن بأنها حجر الأساس لبناء أي شيء مستدام. وحتى ننجح في تطبيق نموذج ناجح لتحقيق أهداف مستدامة فعلينا: تبني المسؤولية الأخلاقية باعتبارها البنية التحتية الرئيسية، وتطبيق نهج متكامل، وتعزيز الشراكات بين الأفراد والمجتمعات.

وفي ضوء الخبرة التي اكتسبتها في مجال التنمية التطبيقية في مختلف مناطق العالم، وانطلاقاً من رغبتي العميقة بخدمة البشرية، أصبحت شغوفة بفكرة إنشاء منظمة غير ربحية وقررت على إثر ذلك أن أستثمر كل طاقاتي وأتبع شغفي في وطني الحبيب؛ ومن هنا تأسست جمعية التنمية المستدامة) تالقة(.

إننا نتمتع بمجتمع يركز على الأهداف في كل مساعيه وهو بذلك يجسد أسمى معاني القيادة والتفاني. فنحن نعمل بشكل دائم على المحافظة على ثقافة أساسها الأول والأخير القيم. نؤمن في جمعية التنمية المستدامة )تالقة( بأن العطاء يحقق منافع متبادلة لا تقتصر على طرف واحد دون الآخر. وبفضل البرامج والمبادرات التي نطلقها غالباً بالشراكة مع مجتمعنا الذي يركز على تحقيق الأهداف، تمكنا من غرس ثقافة تتنفس قيم العطاء والمشاركة الفعالة والعمل الجماعي والتعلم والإنتاجية والمسؤولية.

جميعنا مطالبون بتأدية واجب أخلاقي مهم، ونحن ومن خلال جمعية التنمية المستدامة) تالقة) حريصون على زيادة مساهماتنا لربط أهداف التنمية المستدامة برؤية مملكتنا 2030، فضلاً عن تحقيق آثار مستدامة وملائمة من الناحية الثقافية والموضوعية في مجالات التنمية والرفاهية. إننا في جمعية التنمية المستدامة )تالقة( نحول التحديات التي نواجهها إلى فرص تتضمن العديد من الحلول العملية من خلال الإبداع والعمل الجماعي والشراكات. تخيلوا لو اكتشفنا جميع طاقاتنا الكامنة التي لا تعد ولا تحصى، ولو بادر كل واحد منا بالعمل من الآن بما يلبي اهتماماتنا الشخصية المتنوعة، فكم سيكون حجم التقدم الذي سيُحرز في مجالات التنمية والرفاه متعددة الأطراف؟ سأترك لمخيلتكم الإجابة عن هذا السؤال.